لا أدري إن كان من الصواب أن أسال هذا السؤال ولكن قبل أن أسأل أريد أن أؤكد لنفسي قبلكم, أن الله عليم حكيم , خبير بعباده يؤتي فضله لمن يشاء, ومشيئته مرتبطة بعلمه وحكمته لا يسأل عما يفعل, ولكي أظن أن الله لا يفعل شيئا إلا لحكمة قد تخفى علينا نحن العامة , ولكنها لا تخفى بفضل من الله على أهل العلم والـذكر وقبل أن أسال أستغفر الله كثيرا لخوفي أنه قد لا يجوز السؤال.
سؤالي : عن المخلصين . بفتح اللام وهم الصفوة . قد آتاهم الله من فضله ولكني سمعت أن المخلصين بكسر اللام يجاهدون أنفسهم وما يحوي قلوبهم من رياء وحسد ....ومن أمراض القلوب , وإذا ما صدقوا رفعهم الله إلى رتبة المخلصين بفتح اللام . الذين خلقوا وقلوبهم صافية نقية .أريد أن أسأل كيف يمكن أن يكون ذلك ؟ وأن يكون الذي يجاهد نفسه أقل درجة من الذي لا يجاهد ؟ ثم خطر على قلبي خاطر . فقلت إن المخلصين بفتح اللام كفوا أنفسهم. ولكن مسؤوليتهم أكبر فهم لهم مسؤولية إصلاح البشر والنفوس . ولكن الذي يجاهد نفسه ليس مكلفا بإصلاح نفسه. لا أدري إن كان هذا الجواب ممكنا أم لا . أفيدوني بالجواب . يرحمني الله وإياكم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن المخلصين بالفتح هم الذين أخلصهم الله واصطفاهم واختارهم لطاعته؛ كما قال تعالى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ {ص: 46 ـ 47} وأما المخلصون بالكسر فهم الذين أخلصوا لله تعالى في أعمالهم فعبدوه مخلصين له الدين ، وبتعريف الأمرين يعرف فعلا أن الذين أخلصوا قاموا بالأعمال بإخلاص، وهذا يستدعي منهم عملا؛ ولكنه لا يستلزم رفعتهم على الذين أخلصهم الله واصطفاهم، فإن أولئك عندهم أعمال صالحة يعملونها بإخلاص، وقد يجتمع الأمران فيهم فهم مخلصون في أعمالهم لله وقد أخلصهم الله تعالى واصطفاهم واختارهم لطاعته، ولذلك قرئ وصف عباد الله الذين نمى إليهم يوسف عليه السلام بالمخلصين بالفتح كما في قراءة نافع والكوفيين، وبالمخلصين بالكسر كما في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وذلك في قوله تعالى في شأن يوسف: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {يوسف: 24 } فالمخلصون بالفتح عندهم أعمال وهم يجاهدون في الله تعالى، فقد جاهد إبراهيم وإسحاق ويعقوب كما هو معلوم من حياتهم، وقد أخبر الله أنه أخلصهم كما في آيات ص وآية يوسف ، ومثل هؤلاء موسى عليه السلام فقد وصفه الله بأنه كان مخلصا؛ كما في قوله تعالى : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا {مريم: 51} وقد قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر كان مخلصا بكسر اللام من الإخلاص في العبادة ، وقرأ الكوفيون مخلصا بفتح اللام بمعنى أنه كان مصطفى؛ كما قال تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي {الأعراف: 144} وراجعي تفسير ابن كثير والألوسي وشروح الشاطبية.
وأما كون المخلص ليس مكلفا بإصلاح نفسه فهو غير صحيح، فإن المخلص مكلف بإصلاح نفسه وإصلاح غيره، فهو ينصح الناس ويأمرهم وينهاهم عملا بما في الحديث: الدين النصيحة . وبما في الحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده .. وبقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ {آل عمران: 110} وبقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {البقرة: 104}