قصيدة (في القدس) / للشاعر تميم البرغوثي <HR style="COLOR: #fafad7" SIZE=1> مررنا على دار الحبيب فردنا عن الدار قانون الأعادي وسورها فقلت لنفسي ربما هي نعمة فماذا ترى في القدس حين تزورها ترى كل ما لا تستطيع احتماله إذا ما بدت من جانب الدرب دورها وما كل نفس حين تلقى حبيبها تسر ولا كل الغياب يضيرها فإن سرها قبل الفراق لقاؤه فليس بمأمون عليها سرورها متى تبصرِ القدس العتيقة مرة فسوف تراها العين حيث تديرها
**** في القدس بائع خضرة من جورجيا برم بزوجته يفكر في قضاء إجازة أو في طلاء البيت في القدس توراة وكهل جاء من منهاتن العليا يفقه فتية البولون في أحكامها في القدس شرطي من الأحباش يغلق شارعا في السوق رشاش على مستوطن لم يبلغ العشرين قبعة تحيي حائط المبكى وسياح من الإفرنج شقر لا يرون القدس إطلاقا تراهم يأخذون لبعضهم صورا مع امرأة تبيع الفجل في الساحات طول اليوم في القدس دبّ الجند منتعلين فوق الغيم في القدس صلّينا على الأسفلت في القدس من في القدس إلا أنت
***
وتلفَّت التاريخ لي متبسما أظننت حقا أن عينك سوف تخطئهم وتبصر غيرهم هاهم أمامك متن نص أنت حاشية عليه وهامش أحسبت أن زيارة ستزيح عن وجه المدينة يا بني حجاب واقعها السميك لكي ترى فيها هواك في القدس كل فتىً سواك وهي الغزالة في المدى حكم الزمان ببينها مازلت تركض خلفها مذ ودعتك بعينها فارفق بنفسك ساعة إني أراك وهنت في القدس من في القدس إلا أنت
***
يا كاتب التاريخ مهلاً فالمدينة دهرها دهران دهر أجنبي مطمئن لا يغير خطوه وكأنه يمشي خلال النوم وهناك دهر كامن متلثم يمشي بلا صوت حذار القوم والقدس تعرف نفسها فاسأل هناك الخلق يدللك الجميع فكل شيء في المدينة ذو لسان حين تسأله يبين في القدس يزداد الهلال تقوسا مثل الجنين حدْبا على أشباهه فوق القباب تطورت ما بينهم عبر السنين علاقة الأبِ بالبنين في القدس أبنية حجارتها اقتباسات من الإنجيل والقرآن في القدس تعريف الجمال مثمن الأضلاع أزرق فوقه - يا دام عزك- قبة ذهبية تبدو برأيي مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء ملخصا فيها تدللها وتدنيها توزعها كأكياس المعونة في الحصار لمستحقيها إذا ما أمّة من بعد خطبة جمعة مدت بأيديها وفي القدس السماء تفرقت في الناس تحمينا ونحميها ونحملها على أكتافنا حملا إذا جارت على أقمارها الأزمان
*** في القدس أعمدة الرخام الداكناتُ كأن تعريق الرخام دخان ونوافذ تعلو المساجد والكنائس أمسكت بيد الصباح تريه كيف النقش بالألوان فهو يقول: "لا بل هكذا". فتقول: "لا بل هكذا". حتى إذا طال الخلاف تقاسما فالصبح حر خارج العتبات لكن إن أراد دخولها فعليه أن يرضى بحكم نوافذ الرحمن
*** في القدس مدرسة لمملوك أتى مما وراء النهر باعوه بسوق نخاسة في أصفهان لتاجر من أهل بغداد أتى حلبا فخاف أميرها من زرقة في عينه اليسرى فأعطاه لقافلة أتت مصرا فأصبح بعد سنين غلاب المغول وصاحب السلطان
*** في القدس رائحة تركز بابلا والهند في دكان عطار بخان الزيت والله رائحة لها لغة ستفهمها إذا أصغيت وتقول لي إذ يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع علي: "لا تحفل بهم"... وتفوح من بعد انحسار الغاز وهي تقول لي: "أرأيت".. في القدس يرتاح التناقض والعجائب ليس ينكرها العباد كأنها قطع القماش يقلبون قديمها وجديدها والمعجزات هناك تلمس باليدين في القدس لو صافحت شيخا أو لمست بناية لوجدت منقوشا على كفيك نص قصيدة – يا ابن الكرام – أو اثنتين في القدس رغم تتابع النكبات ريح طفولة في الجو. ريح براءة في القدس رغم تتابع النكبات ريح براءة في الجو. ريح طفولة فترى الحمام يطير يعلن دولة في الريح بين رصاصتين
*** في القدس تنتظم القبور كأنهن سطور تاريخ المدينة والكتاب ترابها الكل مروا من هنا فالقدس تقبل من أتاها كافرا أو مؤمنا أمرر بها واقرأ شواهدها بكل لغات أهل الأرض فيها الزنج والإفرنج والقفجاق والصقلاب والبشناق والتاتار والأتراك أهل الله والهُلاك والفقراء والملاك والفجار والنساك فيها كل من وطأ الثرى أرأيتها ضاقت علينا وحدنا يا كاتب التاريخ ماذا جدَّ فاستثنيتنا يا شيخ فلتعد القراءة والكتابة مرة أخرى أراك لحنت العين تغمض ثم تنظر سائق السيارة الصفراء مال بنا شمالا نائيا عن بابها والقدس صارت خلفنا والعين تبصرها بمرآة اليمين تغيرت ألوانها في الشمس من قبل الغياب إذ فاجأتني بسمة لم أدر كيف تسللت في الدمع قالت لي وقد أمعنت ما أمعنت: "يا أيها الباكي وراء السور.. أحمق أنت؟ أجننت.. لا تبك عينك أيها المنسي من متن الكتاب لا تبك عينك أيها العربي واعلم أنه في القدس من في القدس لكن لا أرى في القدس إلا أنت..