لا يفقد نادي المختلط .. أو الزمالك .. لاعبه العظيم حسين حجازي فقط إنما يفقد أيضا الانتصارات الكروية التي اعتاد عليها وتغنت بها جماهيره يفقد المختلط .. أو الزمالك .. البريق الكروي الذي تميز به
وبدا الأمر في النهاية .. كما لو كان نادي المختلط في الطريق ليفقد كل شيء .. لكن لم يحدث ذلك لأسباب كثيرة فبقي الزمالك وبقيت انتصاراته حتي قامت ثورة يوليو عام 1952 .. وحين قامت هذه الثورة .. لم تكن الثورة الأولي للمصريين علي الإنجليز .. ولا كانت الثورة الثانية .. وإنما في واقع الأمر .. ثار المصريون علي الإنجليز ثلاث مرات .. المرة الأولي بقيادة سعد زغلول عام 1919
المرة الثالثة بقيادة الضباط الأحرار عام 1952بينما كانت المرة الثانية .. بقيادة نادي الزمالك .. أو في نادي الزمالك .. عام 1929 .. حيث كانت كل الظروف مواتية وممهدة للقيام بالثورة .. عشر سنوات مضت علي قيام ثورة سعد زغلول .. سبع سنوات مضت علي آخر بطولة كروية للزمالك .. ست سنوات مضت علي إعلان الدستور في مصر وإلغاء الأحكام العرفية .. خمس سنوات مضت علي تقاعد مرزباخ الرجل الذي أسس نادي الزمالك .. وكانت صورة مصر في ذلك الوقت لمن يراها من بعيد تبدو هادئة وكأن الشوارع والبيوت قد اعتادت أن تري وجوه الغرباء وأن تصغي لمفرداتهم الجديدة .. المصريون البسطاء والفقراء شغلتهم أيامهم ومعاناتهم وأحلامهم .. ثورتهم الكبري أصبحت مجرد حكايات قديمة ومجرد ذكري تزورهم كلما اشتاقوا للغضب أو فاجأتهم رصاصة مصرية تقتل ضابطا أو عسكريا إنجليزيا
في تلك الأيام .. كان علي مصر أن تمضغ أحزان ليلها الطويل وتصبر .. فاستعانت علي الصبر بأغاني سيد درويش التي كسر الحزن قلبها .. وتغطت بعباءة تاريخها الطويل لتحتمي به .. وعلي الرغم من ذلك .. بقيت تجربة مصر في مواجهة احتلالها استثناء في كتاب الشعوب والغزاة والتاريخ .. فمصر اختارت للمواجهة سلاح كرة القدم .. لم يملك المصريون سوي أن يضعوا الكرة مكان القنبلة .. في الواقع أصبح لدي مصر وقتها في كل شارع وملعب ومدرسة .. ألف كرة وألف قنبلة
باختصار كل الظروف كانت مواتية وممهدة للقيام بالثورة وكان هناك رجل واحد اسمه حسين حجازي .. علي استعداد لأن يقود تلك الثورة .. ثورة بدأت بتمرد قاده حجازي وشاركه فيه يوسف محمد والقائمقام محمد حيدر بك قومندان السواحل .. ونجح التمرد وأصبح يوسف محمد سكرتيرا للنادي بدلا من نيقولا عرقجي .. والقائمقام .. أو العقيد .. محمد حيدر بك أصبح رئيسا للنادي ليصبح ثاني رئيس مصري للزمالك خلفا للدكتور محمد بدر والذي لم يبق رئيسا إلا لمدة سنتين فقط لم يقنع حسين حجازي .. ولم يكتف بذلك .. فكانت الثورة
وبعد عام واحد .. أي في عام 1930.. تلقي ستون رجلا .. هم كل أعضاء الجمعية العمومية لنادي الزمالك .. دعوة لاجتماع هام وعاجل .. كأن الرجال كانوا ينتظرون تلك الدعوة منذ وقت طويل .. جاءوا جميعا إلي النادي ليلتقوا بحسين حجازي لتنعقد أول جمعية عمومية حقيقية في تاريخ النادي .. وهنا لابد من التوقف أمام ما قد يبدو متناقضا بين الحديث عن ثورة الزمالك لتمصير الرياضة والكرة المصرية عام 1917 وبين ما قام به حسين حجازي عام 1930 .. والحقيقة أنه ليس هناك أي تناقض .. فما جري عام 1917 كان أول طلقة رصاص رياضية في وجه الأجانب والغرباء .. طلقة لم تطش ولم تنته إلي الفراغ أو الخواء .. ولكنها أصابت وحققت هدفها وغايتها .. فكان الانتصار الحقيقي يحققه ناد لم يتأسس إلا عام 1911 .. ولم يلعب الكرة أصلا إلا عام 1916 أي قبل هذه الرصاصة والثورة بسنة واحدة فقط وإذا كان كثيرون منا لا يعرفون ذلك حتي الآن .. فإنهم كثيرون أيضا الذين لا يعرفون حتي الآن أن الزمالك بعد أن استرد روحه ومصريته عام 1917 لم يكتف بذلك .. وإنما بقي يحارب مع الأهلي لتأسيس أول اتحاد مصري لكرة القدم في مصر ..
وسوف يبقي التاريخ شاهدا علي أن الأندية التي خاضت حرب التمصير كانت هي الزمالك .. ومن بعده الأهلي والاتحاد السكندري والمصري في بورسعيدوإذا كان الزمالك قد نجح في ثورته عام 1917 .. فإنه رغم نجاحه هذا بقي يحاول استكمال طرد الغرباء والأجانب خارج أسواره وأبوابه .. بقي يحاول ذلك حتي نجح انقلاب حسين حجازي عام 1930 .. فانعقدت تلك الجمعية العمومية التي سبق وأشرت إليها وحضرها ستون عضوا مرة واحدة قرروا طرد الأجانب والخواجات نهائيا من النادي وأن يبقي الزمالك ملكا للمصريين وحدهم