عنوان الفتوى : المفهوم الصحيح لعبارة: الأجر على قدر المشقة
كاتب الموضوع
رسالة
احمدالحسينى المدير العام
عدد الرسائل : 2072 العمر : 60 البلد : مصر تاريخ التسجيل : 19/08/2007
موضوع: عنوان الفتوى : المفهوم الصحيح لعبارة: الأجر على قدر المشقة الأحد ديسمبر 16, 2007 7:44 pm
رقـم الفتوى :
97937
عنوان الفتوى :
المفهوم الصحيح لعبارة: الأجر على قدر المشقة
تاريخ الفتوى :
11 رجب 1428 / 26-07-2007
السؤال
فى تاريخ علماء المسلمين والمحدثين ما يحكى عن أن كثيراً منهم عندما يخرج لطلب العلم كان يمشي ولا يركب وإذا عرض عليه الناس أن يركب معهم إكراماً له يرفض ويقول ما كان لي أن أركب وأنا أطلب حديث رسول الله, كذلك في الحديث أن رجلا كان أبعد الناس عن المسجد ولما طالبه الناس أن يتخذ دابة تعينه رفض منتظرا الثواب من الله ثم أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله جمع له ما يتمنى من الثواب، والسؤال هو: لماذا يرفض العلماء أن يركبوا أو هذا الصحابى، أليس فى ذلك أخذاً لأسباب الله التي يسرها لنا، ثم ثانياً: أليس فى ذلك تيسيرا أكثر فى الوقت ومن ثم يتسنى وقت آخر لأمور أخرى يتقربون بها إلى الله أو ينفعون بها الناس، وثالثا: أليس فى ذلك راحة الجسد وذلك فيما ليس فيه حرام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد وردت عدة أحاديث في بيان أن المشي إلى بعض العبادات أفضل من الركوب إليها، فمن ذلك المشي إلى صلاة الجماعة كما في الحديث الذي أشار إليه السائل وهو في صحيح مسلم عن أبي بن كعب قال: كان رجل لا أعلم رجلا أبعد من المسجد منه وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله.
فهذا الصحابي كان مستقراً عنده أن مشيه إلى المسجد أعظم لأجره من ركوبه إليه وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ومن ذلك أيضاً المشي إلى صلاة الجمعة لما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، عن أوس بن أوس الثقفي، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها.
ومن ذلك أيضاً المشي إلى صلاة العيد، فقد روى الترمذي عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال: من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً. وقال الترمذي: هذا حديث حسن والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً.
ومن ذلك المشي عند تشييع الجنازة كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 24279.
فيدل ذلك كله على استحباب المشي إلى العبادات والقربات وأن ذلك أفضل من الركوب، ولكن ذلك مقيد بما إذا لم يشق المشي مشقة ظاهرة ويضعف ويقعد عما هو أولى منه وأفضل، أو يكون مفوتاً لما هو أحب إلى الله، فإن الله تعالى لا يحب أن يترك الأحب إليه بفعل ما هو دونه، ولذا جاء في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: ويشبه أن يكون الركوب أفضل لمن يجهده المشي لهرم أو ضعف أو بعد منزله بحيث يمنعه ما يناله من التعب الخشوع والحضور في الصلاة عاجلاً.
ويتأيد ذلك بأنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم حج من المدينة راكباً ولم يمش إذ إن المشي هذه المسافة الطويلة مظنة التعب والإجهاد الزائد الذي يمنع مما هو أولى منه، وفي حديث عقبة بن عامر: أن أخته نذرت أن تحج ماشية فسأل عقبة عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مرها فلتركب فظن أنه صلى الله عليه وسلم لم يفهم عنه فلما خلا من كان عنده عاد فسأله، فقال: مرها فلتركب فإن الله عز وجل عن تعذيب أختك نفسها لغني. رواه أحمد.
وبهذا يظهر جواب ما استشكله السائل من كون الركوب أولى أخذاً بالأسباب التي يسرها الله لنا وحتى يتم إنجاز واستثمار أكثر للوقت مع إراحة البدن فإن محل أفضلية المشي هو إذا لم يشق مشقة كبيرة أو يمنع مما هو أفضل وأحب إلى الله تعالى، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مما ينبغي أن يعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق حتى يكون العمل كل ما كان أشق كان أفضل كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء، لا ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته... إلى أن قال: هذا في كل عبادة لا تقصد لذاتها مثل الجوع والسهر والمشي.