تغرب عن الأوطان في طلب العلى----------وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشةٍ----------وعلمٍ وآدابٍ وصحبة ماجد
الحض على السفر من أرض الذل
ارحل بنفسك من ارضٍ تضام بها----------ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث في موطونه----------وفي التغرب محمولُ على العنق
والكحل نوع من الأحجار تنظره----------في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حاز الفضل أجمعه----------فصار يحمل بين الجفن والحدق
حال الغريب
إن الغريب له مخافة سارقٍ----------وخضوع مديونٍ وذلة موثق
فإذا تذكر أهله وبلاده----------ففؤاده كجناح طيرٍ خافق
الحض على الترحال
ما في المقام لذي عقلٍ وذي أدبٍ----------من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه----------وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده----------إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست----------والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ً----------لملها الناس من عجم ومن عرب
والتبر كالترب ملقي في أماكنه----------والعود في أرضه نوع من الخطب
فإن تغرب هذا عز مطلبه----------وإن تغرب ذلك عز كالذهب
الدهر يوم لك ويوم عليك
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر----------والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف----------وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها----------وليس يكسف إلا الشمس والقمر
اليقظة والحذر
تاه الأعيرج واستغلى به الخطر----------فقل له خير ما استعملته الحذر
أحسنت ظنك بالأيام إذاحسنت----------ولم تخف سوء ما يأتي بها القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها----------وعند صفو الليالي يحدث الكدر
الرضا بالقدر
وما كنت راضٍ من زماني بما ترى----------ولكنيي راضٍ بما حكم الدهر
فإن كانت الأيام خانت عهودنا----------فإني بها راضٍ ولكنها قهر
رد الجميل بالسيء
ومن الشقاوة أن تحب----------ومن تحب يحب غيرك
أو أن تريد الخير للإنسان----------وهو يريد ضيرك
الحظوظ
تموت الأسد في الغابات جوعاً----------ولحم الضأن تأكله الكلاب
وعبد قد ينام على حريرٍ----------وذو نسبٍ مفارشه التراب
تملك الأوغاد
محن الزمان كثيرة لا تنقضي----------وسروره يأتيك كالأعياد
ملك الأكابر فاسترق رقابهم----------وتراه رقاً في يد الأوغاد
مثلما تدين تدان
تحكموا فاستطالوا في تحكمهم----------وعما قليل كأن الأمر لم يكن
لو انصفوا انصفوا لكن بغوا فبقى----------عليهم الدهر بالأحزان والمحن
فأصبحوا ولسان الحال ينشدهم----------هذا بذال ولا عتب على الزمن
زن بما وزنت به
زن من وزنك بما وزنك----------وما وزنك به فزنه
من جاء إليك فرح إليه----------ومن جفاك فصد عنه
من ظن إليك دونه----------فاترك هواه إذن وهنه
وارجع إلى رب العباد----------فكل ما يأتيك منه
اكرام النفس
قنعت بالقوت من زماني----------وصنت نفسي عن الهوان
خوفاً من الناس ان يقولوا----------فضلاً فلان على فلان
من كنت عنه ماله غنياً----------فلا أبالي إذا جفاني
ومن رآني بعين نقصٍ----------رأيته بالتي رآني
ومن رآني بعين تم----------رأيته كامل المعاني
عين الرضا
وعين الرضا عن كل عيب كليلة----------ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولست بهياب لمن لا يهابني----------ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا
فإن تدن مني تدن منك مودتي----------وإن تفأ عني تلقني عنك نائياً
كلانا غني عن أخيه حياته----------ونحن إذا متنا أشد تغانيا
احذر الناس
إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى----------ودينك موفور وعرضك صين
فلا ينطقن منك اللسان بسوأةٍ----------فكلك سوؤات وللناس السن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً----------فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى----------ودافع ولكن بالتي هي أحسن
دية الذنب الإعتذار
قيل لي قد أسى عليك فلان----------ومقام الفتى على الذل عار
قلت قد جاءني وأحدث عذراً----------دية الذنب عندئذٍ الإعتذار
التماس العذر
اقبل معاذير من يأتيك معتذراً----------إن بر عندك فيما قال أو فجراً
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره----------وقد أجلك من يعصيك مستتراً
من الورع اشتغالك بعيوبك
المرء إن كان عاقلاً ورعاً----------اشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم اشغله----------عن وجع الناس كلهم وجعه
آداب النصح
تعمدني بنصحك في انفرادي----------وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع----------من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن حالفتني وعصين قولي----------فلا تجزع إذا لم تعط طاعه
واعظ الناس
يا واعظ الناس عما أنت فاعله----------يا من يعد عليه العمر بالنفس
أجفظ لشيبك من عيب يدنسه----------إن البياض قليل الحمل للدنس
كحامل لثياب الناس يغسلها----------وقوبه غارق في الرجس والنجس
تبغى النجاه ولم تملك طريقتها----------إن السفينة لا تجري على اليبس
ركوبك النعش ينسيك الركوب على----------ما كنت تركب من بغلٍ ومن فرسٍ
يوم القيامة لا مال ولا ولد----------وضمة القبر تنسي ليلة العرس
وقول الآخر :
لا كلف الله نفساً فوق طاقتها----------ولا تجود يد إلا بما تجد
فلا تعد عده إلا وفيت بها----------واحذر خلاف مقالٍ للذي تعد
حفظ اللسان
احفظ لسانك أيها الإنسان----------لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه----------كانت تهاب لقاءه الأقران
الوقار وخشية الله
ولولا الشعر بالعلماء يزري----------لكنت اليوم اشعر من لبيد
واشجع في الوغى من كل ليثٍ----------وآل مهلبٍ وبني يزيد
ولولا خشية الرحمن ربي----------حسبت الناس كلهم عبيدي
التسليم الخالص
إذا اصبحت عندي قوت يومي----------فخل الهم عني يا سعيد
ولا تخطر هموم غدٍ ببالي----------فإن غداً له رزق جديد
اسلم إن أراد الله أمراً----------فاترك ما أريد لما يريد
لا تقنط من رحمة الله
إن كنت تغدوا في الذنوب جليداً----------وتخاف في يوم المعاد وعيداً
فلقد اتاك من المهيمن عفوه----------وأفاض من نعمٍ عليك مزيداً
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا----------في بطن أمك مضغه ووليداً
لو شاء أن تصلى جهنم خالداً----------ما كان الهم قلبك التوحيدا
من راقب الله رجع
حسبي بعلمي إن نفع----------ما الذل إلا في الطمع
من راقب الله رجع----------ما طار طير وارتفع
استغفار وتوبة
قلبي برحمتك اللهم ذو انسٍ في----------السر والجهر والأصباح والغلس
وما تقلبت من نومي وفي سنتي----------إلا وذكرك بين النفس
التوكل في طالب الرزق
توكلت في رزقي على الله خالقي----------وأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزقٍ فليس يفوتني----------ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله----------ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيءٍ تذهب حسرةً----------وقد قسم الرحمن رزق الخلائق
ليس كل شيء بالعقل
لو كنت بالعقل تعطي ما تريد إذن----------لما ظفرت من الدنيا بمرزوق
رزقت مالاً على جهلٍ فعشت به----------فلست أول مجنونٍ ومرزوق
وقول آخر:
ما شئت كان وإن لم أشأ----------وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد لما قد علمت----------ففي العلم يجري الفتى والمسن
فمنهم شقي ومنهم سعيد----------ومنهم قبيح ومنهم حسن
على ذا مننت ، وهذا خذلت----------وذلك أعنت وذا لم تعن
البعد عن أبواب الملوك
إن الملوك بلاء حيثما حلوا----------فلا يكن لك في أبوابهم ظل
ماذا تؤمل من قوم ٍ إذا غضبوا----------جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
فاستغن بالله عن أبوابهم كرماً----------إن الوقوف على أبوابهم ذل
تذلل واستغاثة
بموقف ذل عزتك العظمى----------مخفي سرٍ لا أحيط به علماً
بإطراق رأسي باعترافي بذلتي----------يمد يدي استمطر الجود والرحمى
بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها----------بعزتها يستغرق النثر والنظما
بعهد قديمٍ من ألست بربكم ؟----------بمن كان مجهولاً فعرف بالأسما
أذقنا شراب الأنس يا من إذا سقى----------محباً شراباً لا يضام ولا يظمأ
أماني الإنسان
يريد المرء أن يعطى مناه----------ويأبى الله إلا ما أرادا
قول المرء فائدتي ومالي----------وتقوى الله أفضل ما استفادا
نكران الجميل
تعصي الإله وأنت تظهر حبه----------هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته----------إن المحب لمن يحب مطيع
في كل يومٍ يبتديك بنعمةٍ----------منه وأنت لشكر ذاك مضيع
لا أبالي
إنت حسبي وفيك للقلب حسب----------وحسبي أن صح لي فيك حسب
لا أبالي متى ودادك لي صح----------من الدهر ما تعرض خطب
كلما استحكمت فرجت
ولرب نازلةٍ يضيق لها الفتى----------ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها----------فرجت وكنت أظنها لا تفرج
الرضى بقضاء الله وقدره
دع الأيام تفعل ما تشاء----------وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثه الليالي----------فما لحوادث الدنيا من بقاء
وكن رجلاً عن الأهوال جلداً----------وشيمتك السماحة والوفاء
وأن كثرت عيوبك في البرايا----------وسرك يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيبٍ----------يغطيه كما قيل السخاء
ولا ترى للأعادي قط ذلاً----------فإن شماته الأعداء بلاء
ولا ترج السماحة من بخيل----------فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأني----------وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور----------ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوعٍ----------فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا----------فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن----------إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين----------فما يغني عن الموت الدواء
قيمة الدعاء
أتهزأ بالدعاء وتزدريه----------وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن----------لها أمد وللأمد انقضاء
فيمسكها إذا ما شاء ربي----------ويرسلها إذا نفذ القضاء
زينة الإنسان العلم والتقوى
اصبر على مر الجفا من معلمٍ----------فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة----------تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعلم وقت شبابه----------فكبر عليه اربعاً لوفاته
وذات الفتى والله بالعلم والتقى----------إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته